سورة الحج - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} بدل {عن الذين} الأولى {إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} أي: لم يخرجوا من ديارهم إلا لقولهم ربنا الله وحده.
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} بالجهاد وإقامة الحدود، {لَهُدِّمَتْ} قرأ أهل الحجاز بتخفيف الدال، وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير، فالتخفيف يكون للقليل والتكثير، والتشديد يختص بالتكثير، {صَوَامِعُ} قال مجاهد والضحاك: يعني: صوامع الرهبان. وقال قتادة: صوامع الصابئين، {وَبِيَعٌ} بيع النصارى جمع بيعة وهي كنيسة النصارى، {وَصَلَوَاتٌ} يعني كنائس اليهود، ويسمونها بالعبرانية صلوتا، {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} يعني مساجد المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الآية: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلاتهم، لهدم في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى البيع والصوامع، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد.
وقال ابن زيد: أراد بالصلوات صلوات أهل الإسلام، فإنها تنقطع إذا دخل العدو عليهم.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: ينصر دينه ونبيه، {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} قال الزجاج: هذا من صفة ناصريه، ومعنى {مكناهم في الأرض}: نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا في البلاد. قال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن: هم هذه الأمة {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} أي: آخر أمور الخلق ومصيرهم إليه، يعني: يبطل كل ملك سوى ملكه، فتصير الأمور إليه بلا منازع ولا مدع.


قوله عز وجل: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم، {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ} {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ}. {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} أي: أمهلتهم وأخرت عقوبتهم، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: إنكاري، أي: كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالعذاب والهلاك، يخوف به من يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبه. {فَكَأَيِّنْ} فكم {مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} بالتاء هكذا قرأ أهل البصرة ويعقوب، وقرأ الآخرون: {أهلكناها} بالنون والألف على التعظيم، {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} أي: وأهلها ظالمون، {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} ساقطة {عَلَى عُرُوشِهَا} على سقوفها، {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} أي: وكم من بئر معطلة متروكة مخلاة عن أهلها {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} قال قتادة والضحاك ومقاتل: رفيع طويل، من قولهم شاد بناءه إذا رفعه. وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء: مجصص، من الشيد، وهو الجص. وقيل: إن البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن، أما القصر فعلى قلة جبل، والبئر في سفحه، ولكل واحد منهما قوم كانوا في نعمة فكفروا فأهلكهم الله، وبقي البئر والقصر خاليين.
وروى أبو روق عن الضحاك: أن هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء، وذلك أن أربعة آلاف نفر ممن آمن بصالح، نجوا من العذاب، أتوا حضرموت ومعهم صالح فلما حضروه مات صالح، فسمي حضرموت، لأن صالحا لما حضر مات فبنوا حاضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلا فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا، ثم إنهم عبدوا الأصنام وكفروا فأرسل الله إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان، كان حمالا فيهم، فقتلوه في السوق فأهلكهم الله، وعطلت بئرهم وخربت قصورهم.


{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ} يعني: كفار مكة، فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية، {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} يعني: ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية فيعتبرون بها، {فَإِنَّهَا} الهاء عماد، {لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ذكر {التي في الصدور} تأكيدا كقوله: {يطير بجناحيه} [الأنعام: 38] معناه أن العمى الضار هو عمى القلب، فأما عمى البصر فليس بضار في أمر الدين، قال قتادة: البصر الظاهر: بلغة ومتعة، وبصر القلب: هو البصر النافع. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} فأنجز ذلك يوم بدر. {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {يعدون} بالياء هاهنا لقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} وقرأ الباقون: بالتاء لأنه أعم، لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين، واتفقوا في تنزيل السجدة أنه بالتاء.
قال ابن عباس: يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض.
وقال مجاهد وعكرمة: يوما من أيام الآخرة، والدليل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك مقدار خمسمائة سنة».
قال ابن زيد: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} هذه أيام الآخرة. وقوله: {كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون} يوم القيامة. والمعنى على هذا: أنهم يستعجلون بالعذاب، وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
وقيل: معناه وإن يوما من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون، فكيف تستعجلونه؟ هذا كما يقال: أيام الهموم طوال، وأيام السرور قصار.
وقيل: معناه إن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء، لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير، فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11